«النستعليق» عروس الخطوط الاسلاميه

عرف الخط قديماً علي صوره اشكال و رسوم. ففي البدايه كان الانسان يعبر بالشكل و الرسم عما يريد كتابته. فمثلاً اذا ما اراد كتابه لفظ طير فانه يلجأ الي تصويره.. و كان هذا النوع من الخط محصوراً بالالفاظ التي يري الانسان مصاديقها في مظاهر الحياه الماديه؛ اذ ان مفاهيم من قبيل المحبه و الصداقه و التعاون لم يستطع التعبير عنها هنا.. بعدها حلت الاشكال الخاصه، بمثابه رمز و علامه، محل الالفاظ التي تفيد مفاهيم ذهنيه. فمثلاً الشمس كانت تفيد معني «النهار»، و الافعي مفهوم «العدو»، و الطير معني «الصداقه».. ثم تطور الخط في المراحل التاليه و وضعت له علامات اتفق عليها، تفيد كل واحده منها معني محدداً. و بهذا النحو اتخذ الخط له شكلاً تجريدياً اكثر مما كان عليه في السابق.
اما عن تاريخ الخط في ايران، فتشير الشواهد التاريخيه الي ان الخط كان رائحاً في ايران قبل ظهور سلاله الهخامنشه. و بفضل التحويرات التي وجدت فيه ظهر بصورته الالفبائيه، و بدأ يكتب به من اليسار الي اليمين، و كانت له اثنان و اربعون علامه، كما يقول الاستاذ هاشم زمانيان احد اساتذه فن خط النستعليق المعاصرين في ايران.
و يضيف الاستاذ زمانيان: في عصر شابور الثاني، كان رجال الدين الزرادشتي يرون الخط البهلوي عاجزاً بعض الشيء عن تجسيد مفاهيم الأفستا، و غير قادر علي قراءتها قراءه صحيحه، فكان ذلك سبباً في ان يبتدعوا نوعاً من الخط البهلوي اطلق عليه «دين دبيره»، و هو من اكمل الخطوط الالفبائيه التي اخترعها الانسان حتي الآن.
و وفقاً للشواهد التاريخيه المتوافره فان العرب خلال رحلاتهم التجاريه الي الحيره تعلموا نوعاً من الخط كان متداولاً بين السريانيين، و عملوا علي اشاعته في ارض الحجاز، و كان يسمي بالخط «السطرنجيلي». و بعد رواجه بين قريش و في جزيره العرب، اشتهر في الكوفه و سمي بالخط الكوفي ايضاً. و قد اخذ الايرانيون يستفيدون منه في كتابه القرآن و خطوط الكتاب و الزخارف و النقوش، بعد ان اوجدوا فيه ابداعات كثيره نظير ايجاد قرائن للحروف، و الاستفاده من الفضاءات المناسبه و الأبعاد الهندسيه و الزهور و اوراق الاشجار جنباً الي جنب الحروف و مقترنه معها.
و يعتقد بعضهم ان «ابن مقله الشيرازي» كان قد ابتكر في القرن الثالث الهجري، سته خطوط من الخط الكوفي عرفت بـ «الاقلام السته»، و هي عباره عن «ريحان، و محقق، و رقاع، و توقيع، و الثلث، و النسخ». و الصحيح هو ان ابن مقله نظم الخطوط التي كانت موجوده، و اظهرها بمثابه قوانين هندسيه. بتعبير آخر، وضع ابن مقله اصولاً للخط علي اساس السطح و الدور، حظيت بقبول الجميع. و من ثم راح يقلده الكتاب خاصه تلامذته في طريقه خطهم.
و رغم ان خط النسخ تم تحويره من صورته العربيه علي يد الايرانيين بما يتوافق و الذوق الايراني، الي ان الذهنيه الايرانيه المبدعه لم تكتف بذلك بل ابتكرت نوعاً من الخط يختلف تماماً عن الخطوط السابقه. حيث تمكن مير علي التبريزي، في النصف الثاني من القرن الثامن الهجري، الذي كان يعرف بـ «مير مطلق»، نظراً لتبحره في فن الخط، من ابتكار خط جديد عبر الدمج و المزاوجه بين كل من خطي النسخ و التعليق، الذي اصبح يعرف فيما بعد باسم «النسختعليق». و بمرور الوقت حظي هذا النوع من الخط بالاعجاب و التقدير و اصبح له عشاق كثيرون، علموا علي تطويره و فصله تماماً عن الخط الام «النسخ و التعليق»، و منحوه شخصيته المستقله.
و يبدو ان خط النستعليق كان محل اهتمام و استفاده خطاطي العصر الصفوي كثيراً، حتي انهم اقتصروا الكتابه علي هذا النوع من الخطوط. و من الخطاطين الكبار الذين اشتهروا بخط النستعليق في العصر الصفوي يمكن ذكر الاساتذه اظهر التبريزي و سلطان علي المشهدي، و مير علي الهروي. و يقف في طليعه هؤلاء كلهم استاذ خط النستعليق بلا منازع، ميرعماد سيفي القزويني –قتل في 1024 هـ -، الذي تزامن وجوده مع عصر شاه عباس الصفوي. و علي حد قول الاستاذ زمانيان، سما ميرعماد القزويني في مدارج فن خط النستعليق الي درجه متقدمه من الكمال، و مهما قيل و كتب عن دور الاستاذ ميرعماد في هذا المجال فإنه لم يعط حقه، و يكفي ان نقول انهم اطلقوا علي خط النستعليق في زمانه بأنه عروس الخطوط الاسلاميه للروعه الجماليه التي تجلت في خطوطه، و لامتلاك هذا النوع من الخط اقواساً و مدات ناعمه و لطيفه و مساحات من الاسود و الابيض جذابه جداً، و ان تركيبه حروفه و كلماته تشبه الخطوط علي وجه العروس، لاتصافها بالتعادل، و بعيده عن اي افراط او تفريط.
و يستند خط النستعليق الي قاعدتين عامتين كانت محل اهتمام الخطاطين منذ عصر «ابن مقله» و حتي الآن. و هاتان القاعدتان معروفتان بـ «حسن التشكيل»، و «حسن الوضع». فحسن التشكيل يتناول جوانب من قبيل الحجم و استفاده الحرف من الخطوط الهندسيه، و من «السطح و الدور»، و «الطول و القصر»، و «الرفع و السمك». اما حسن الوضع فيعني بصوره العلاقه بين الحروف المتصله، و طريقه وضع الحروف المنفصله الي جوار بعض، و بشكل عام ترتيب السطور مع بعضها.
لقد تناول خطاطون من امثال سلطان علي مشهدي (م. 926ق)، و بابا شاه اصفهاني (م. 996ق)، و كلاهما من خطاطي النستعليق المشهورين، في كتاباتهم هاتين القاعدتين العامتين و طريقه الاستفاده منهما في طريقه كتابه خطوط النستعليق بالشرح و التوضيح. و فيما ذكروه ان للخط ثمانيه الي اثنتي عشره قاعده، و هي عباره عن: القوه و الضعف و السطح و الدور و الصعود و النزول و النسبه و التركيب و الكرسي و الاصول و الصفا و الشأن. و ان كل من قاعده الصفا و الشأن لا علاقه لهما بالاصول الهندسيه، بل هما يختصان بعنصر الكيفيه و يوضحان جوانب اخري، مثلما ان الضعف و القوه يرتبطان بحجم الكتابه، و الصعود و النزول يرتبطان بارتفاع الحروف او خفضها، و كذلك السطح و الدور اللذين ينظران الي شكلين من اشكال الحروف المسطحه و المدوره.
هذا و قد برز اساتذه كثر مع مرور الزمان، اضاف كل وحد منهم بدوره ابداعاً و جماليه الي خط النستعليق، و خطا به علي طريق تكامله. حتي نصل الي زمن القاجاريين، حيث نتعرف علي الاستاذ الاجل ميرزا كلهر، الذي استطاع بفضل ما اوتي من نبوغ ذاتي و مؤهلات عاليه، ان يبدع اسلوباً و طريقه جديده اهلته ليكون في طليعه خطاطي عصره، كما يقول ان ميرزا كلهر و اصل اسلوب ميرعماد و طريقته، الا انه من خلال الاضافات و الكلمات، طبع بصماته الذاتيه علي المسيره الابداعيه لهذا الخط ليظهر بكيفيه خاصه. هذا و قد قيل الكثير عز كل من اسلوب ميرعماد القزويني و ميرزا كلهر، و هناك الكثير الذي لم يذكر بعد، الذي ربما نعود اليه في فرصه اخري.

من موقع: http://www.e-resaneh.com/articlefiles/nastaigh.htm


مرکز گردشگری علمی-فرهنگی دانشجویان ایران
Copyright ©2018 istta.ir All rights reserved. Powered & Designed by WebTakin.ir , Graphic by Yousefi
logo-samandehi